فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، ظاهرةٌ توجد عند أبنائنا في هذه الإجازة، هذه الظاهرة تتمثَّل في السَّهر الطويل، بل السهر الذي يمتدّ إلى طلوع الفجر، وربما تأخَّر إلى طلوع الشمس. هذا السَّهر للأسف الشديد سهرٌ لا خيرَ فيه، وسهرٌ ضررُه أكبرُ من نفعه إن وجد فيه نفع، سهرٌ على غير حقّ في غالبه، وسهر يُمضي الليل في سفهٍ ولعب وباطل، وربما امتدّ ذلك إلى أذى الآخرين وإلحاق الأذى بالآخرين.
فيا إخوتي، على أولياء أمور أبنائنا أن ينتبهوا لهذا الأمر، وأن يتعاونوا مع أبنائهم في منع هذه الظاهرة السيئة، والإقلال منها قدر الاستطاعة، فإنه يُخشى من هذا السهر الطويل وهذه اللقاءات بعضهم مع بعض أن تترك أثراً سيئاً على بعضهم، أو أن تزيِّن لبعضهم أموراً لا تليق بهم.
فيا أيها الأب الكريم، انتبه لأبنائك، وناصحهم ووجِّهُّم، وخذ على أيديهم قدرَ الاستطاعة أن يُقِلوا من هذا السهر الطويل، وأن يخففوا من هذه اللقاءات الكثيرة.
فيا أيها الشاب المسلم، ما هي الفائدة من هذا السهر الطويل؟ وفي النهار نومٌ وغفلة وعجز وكسلٌ وتحمِّل أباك كلَّ أمورك وأنت تريدها سهراً ونهاراً نوماً وغفلة، فأين الإنتاج؟ وأين العمل؟ ميادينُ العمل تنتظرك، رفوف المكاتب النافعة ترتقبك، فأين النفس الأبية التي ترفض العجز والكسل، وتنافس في ميدان العمل؟ تكتسب خبرةً ورزقاً طيباً خيرٌ من تسكّع وبقاءٍ على الأرصفة، ليلٌ طويل، وقد تصحب من لا خير في صحبته، وقد يجرّك إلى رذائل وأمور تندم عليها حين لا ينفع الندم.
أيها الشاب المسلم، إن هذا الكسل لا يثمر خيراً، ولا يجلب خيراً، ميادين العمل أمامك كثيرة، فانزل الميدان، ونافس الغير، وأثبت الوجود، واعتمد بعد الله على نفسك، واستغلَّ فرصَ أيامك لتكونَ سعيداً فيها، بعيداً عما يخالف الشرع. أنا لا أقول: اجتنب السهرَ، ولكن أقول: نظّم أمرك، أمّا هذا السهر الذي كلُّ الليل ينقضي بلا فائدة وبلا منفعة دينية أو دنيوية فما الخير في هذا؟ ليس المهمّ أن أقتل الوقتَ وأقضي عليه، المهمّ أن أستغلّه، وأن أنظّم شؤون حياتي، وأن أعمل وأكدحَ وأستفيد خبرةً وتجربة، هذا هو الواجب على الجميع. إن كنت تريد أن تثقل أباك بكلّ الأحوال، وأن تلقي عن نفسك المسؤولية، وتجعلها في عنق الأب في كل الأحوال، فذاك تصوّر خاطئ، وعلى الآباء أن يحثّوا أبناءهم ويبعدوهم عن الكسل والعجز والخمول، ويدعوهم إلى المكارم والفضائل، أسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يسلك بي وبكم طريقه المستقيم، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يدَ الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...