أولا : لقد خلق الله تعالى الإنسان وزوده بوسائل المعرفة ليكون خليفة في الأرض حتى يعمرها ويسخر ما فيها لمعيشته ومن ثم يتخذها مقرا لعبادة الله تعالى .
ثانيا : إن الإنسان رغم ما زوده الله تعالى به من وسائل معرفية إلا أنه لا يستطيع الإحاطة في معرفته إلا بالقدر اليسير من كثير مما حوله في هذا الكون الفسيح المحسوس المرتبط ارتباطا وثيقا بحياته ذلك أن أكثر ما في هذا الكون يدخل في عالم الغيب النسبي أو المطلق بالنسبة للإنسان مما يجعله في حاجة إلى مصدر عليم بأمر الكون حتى يزوده بمعلومات تزيح عنه الستر وتكشف عنه بعض الغيب .
ثالثا : لما كان الإنسان مفطورا على عبادة الله تعالى كما أنه مأمور بذلك وجوبا لزم أن تكون تلك العبادة على علم بالمعبود وهو الله تعالى وهذا العلم لا يمكن الوصول إليه مفصلا بالعقول المجردة ، كما أن العبادة لا يمكن معرفة كيفيتها بالعقول المجردة وبذلك يكون الإنسان بحاجة دائمة إلى خبر من مصدر موثوق يمكنه من معرفة الله تعالى وكيفية عبادته .
رابعا : إن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكنه العيش منعزلا عما حوله من كائنات وموجودات فهو كذلك بحاجة إلى قواعد ونظم لترتيب حياته الفردية والاجتماعية والأسرية وبدون هذه النظم تصبح هذه العلاقات قائمة على الفوضى والتنازع و ارتباط هذه القوانين والنظم بالتشريع الإلهي يضمن لها الثبات والاستقرار لأنها تصدر عن عليم بخلقه مدرك لمصالحهم إدراكا كاملا مطلقا أضف إلى ذلك أن الإنسان قد استقر في وجدانه أنه لابد من حياة أخرى يجازى فيها الناس على أعمالهم في هذه الحياة الدنيا فكان مقتضى الحكمة أن يبين الله تعالى ذلك لخلقه .
خامسا : سبق أن بينا طبيعة الصلة بين الخالق والإنسان وذكرنا بأن الاتصال بين الله تعالى والإنسان يكون بواسطة الملائكة ولكن لما كانت طبيعة الملائكة تختلف اختلافا كاملا عن البشر كان لابد من وجود خصوصية في الصلة بين الملائكة وبين البشر لذا قضى الله تعالى بحكمته البالغة أن يصطفى من البشر أفرادا ذوى طبيعة خاصة ويعدهم إعدادا خاصا للتكيف مع طبيعة الاتصال بالملائكة حتى تتنزل هذه الملائكة عليهم بأحكام الله تعالى وشرائعه .
والوجوه السابقة مجتمعة تؤكد الحاجة الأساسية لإرسال الرسل حتى يقوموا بتحقيق هذه الغايات .
النبوة منحة إلهية :
إن النبوة اصطفاء خالص من الله تعالى يختص به من يشاء من عباده الذين توفرت فيهم صفاتها فهي لا تنال بالمجاهدة والمعانات وتكلف أنواع العبادات أو الاجتهاد في تهذيب النفوس وتنقية الخواطر وتطهير الأخلاق بأنواع الرياضات النفسية والبدنية . فالإنسان يستطيع أن ينمي مواهبه المختلفة فيصبح رياضيا بارزا أو عالما مرموقا أو عابدا مخلصا غير أنه لا يستطيع بكل ذلك أن يكون نبيا رسولا فالنبوة بذاتها مرتبة فوق مرتبة البشر العاديين لأنها خارج الحدود التي يستطيعون الوصول إليها باجتهاداتهم فالذي يختاره الله تعالى يؤهل بعنصر لا يحتاج للبشر العاديين ذلك هو الاتصال بالله تعالى عن طريق الوحي قال تعالى : ((قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلى)) والوحي أمر إلهي محض لا أثر لسعى المرء في كسبه أو دفعه وبالتالي فالنبوة إلزامية غير كسبية فلا ينالها الإنسان بالجهد الفكري أو الترقي الروحي والأخلاقي ولا عبرة في حصولها للقيم الدنيوية والاعتبارات المادية فالله تعالى قد اختص بالنبوة من شاء في الوقت الذي شاء وفقا لحكمته وعلمه ورحمته قال الله تعالى : (( الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير )) وقال تعالى : (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) وقال تعالى لموسى عليه السلام : ((إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي)) وقال تعالى في وصف الرسل جملة : ((وانهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ))